أراك عصي الدمع شيمتك الصبر – أبو فراس الحمداني

قصيدة سيذكرني قومي إذا جد جدهم، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

تُعدّ قصيدة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر" من أشهر قصائد الحماسة العربية، وأكثرها إثارة للشعور الوطنيّ والعزة العربية. نظمها الشاعر الحُرّ أبو فراس الحمدانيّ أثناء أسره من قبل الروم. تبرز القصيدة مزيجًا فريدًا من المشاعر العميقة، حيث يعبّر الشاعر عن صبره في الأسر، واشتياقه إلى الحرية، وحبه لابن عمه سيف الدولة الحمداني، ودعوته له لنجدته.

مناسبة قصيدة أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

وقع أبو فراس الحمدانيّ أسيرًا بعد معركة ضارية مع الروم. عاش في الأسر حياة صعبة، مُحاطًا بالعدوّ، بعيدًا عن أهله وبلده. وخلال هذه الفترة، كتب العديد من القصائد التي عبّر فيها عن مشاعره المتأججة، وعن إيمانه الراسخ بقضيّته العربية.

تبدأ القصيدة بخطاب الشاعر لابن عمه سيف الدولة الحمداني، يصفه بالصبر، ويبدي تعجبه من عدم بكائه على الرغم من شدة ما يعانيه. ثم يقرّ الشاعر بمشاعره الداخلية من شوق وحزن، لكنّه يُخفيها حرصًا على كرامته وعزته.

يُفصح أبو فراس عن حبه لسيف الدولة، وفضله عليه، ويثني على مروءته وكرمه. ويُناشد ابن عمه لنجدته وفكّ أسره، مُذكّرًا إياه بأيامهما معًا وبطولاتهما في المعارك.

نص قصيدة: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أَراكَ عَـصِـيَّ الـدَمـعِ شـيمَتُكَ الـصَبرُ
أَمـــا لِـلـهَوى نَـهـيٌ عَـلَـيكَ وَلا أَمــرُ

بَـلـى أَنــا مُـشـتاقٌ وَعِـنـدِيَ لَـوعَـةٌ
وَلَــكِـنَّ مِـثـلـي لا يُـــذاعُ لَـــهُ سِــرُّ

إِذا الـلَيلُ أَضـواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَـلـتُ دَمـعـاً مِــن خَـلائِـقِهِ الـكِـبرُ

تَـكـادُ تُـضـيءُ الـنـارُ بَـيـنَ جَـوانِـحي
إِذا هِـــيَ أَذكَـتـهـا الـصَـبابَةُ وَالـفِـكرُ

مُـعَـلِّـلَتي بِـالـوَصـلِ وَالـمَـوتُ دونَــهُ
إِذا مِـــتَّ ظَـمـآنـاً فَـــلا نَــزَلَ الـقَـطرُ

حَـفِـظـتُ وَضَـيَّـعـتِ الــمَـوَدَّةَ بَـيـنَـنا
وَأَحـسَنَ مِـن بَـعضِ الـوَفاءِ لَكِ العُذرُ

وَمــــا هَــــذِهِ الأَيّــــامُ إِلّا صَـحـائِـفٌ
لِأَحـرُفِـهـا مِـــن كَــفِّ كـاتِـبِها بَـشـرُ

بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً
هَـــوايَ لَــهـا ذَنــبٌ وَبَـهـجَتُها عُــذرُ

تَــروغُ إِلــى الـواشـينَ فِـيَّ وَإِنَّ لـي
لَأُذنـــاً بِـهـا عَــن كُــلِّ واشِـيَـةٍ وَقــرُ

بَـــدَوتُ وَأَهــلـي حــاضِـرونَ لِأَنَّـنـي
أَرى أَنَّ داراً لَـسـتِ مِــن أَهـلِها قَـفرُ

وَحـارَبـتُ قَـومـي فـي هَـواكِ وَإِنَّـهُم
وَإِيّـــايَ لَـــولا حُـبَّـكِ الـمـاءُ وَالـخَـمرُ

فَـإِن يَـكُ مـا قـالَ الـوُشاةُ وَلَـم يَـكُن
فَـقَـد يَـهدِمُ الإيـمانُ مـا شَـيَّدَ الـكُفرُ

وَفَــيـتُ وَفــي بَـعـضِ الـوَفـاءِ مَـذَلَّـةٌ
لِإِنـسانَةٍ فـي الـحَيِّ شـيمَتُها الغَدرُ

وَقــــورٌ وَرَيــعـانُ الـصِـبـا يَـسـتَـفِزُّها
فَــتَــأرَنُ أَحــيـانـاً كَــمـا أَرِنَ الـمُـهـرُ

تُـسـائِلُني مَــن أَنـتَ وَهـيَ عَـليمَةٌ
وَهَـل بِـفَتىً مِـثلي عَـلى حـالِهِ نُكرُ

فَـقُلتُ كَـما شـاءَت وَشاءَ لَها الهَوى
قَـتـيـلُكِ قــالَـت أَيَّــهُـم فَــهُـمُ كُــثـرُ

فَـقُـلتُ لَـهـا لَــو شِـئتِ لَـم تَـتَعَنَّتي
وَلَـم تَـسأَلي عَـنّي وَعِـندَكِ بي خُبرُ

فَـقـالَت لَـقَـد أَزرى بِـكَ الـدَهرُ بَـعدَنا
فَـقُـلتُ مَـعاذَ الـلَهِ بَـل أَنـتِ لا الـدَهرُ

وَمــا كــانَ لِـلأَحـزانِ لَــولاكِ مَـسلَكٌ
إِلـى القَلبِ لَكِنَّ الهَوى لِلبِلى جِسرُ

وَتَـهـلِكُ بَـيـنَ الـهَـزلِ وَالـجَـدِّ مُـهجَةٌ
إِذا مــا عَـداهـا الـبَـينُ عَـذَّبَها الـهَجرُ

فَـأَيـقَنتُ أَن لا عِــزَّ بَـعـدي لِـعـاشِقٍ
وَأَنَّ يَـــدي مِــمّـا عَـلِـقتُ بِــهِ صِـفـرُ

وَقَـلَّـبـتُ أَمـــري لا أَرى لِـــيَ راحَــةً
إِذا الـبَـينُ أَنـسـاني أَلَـحَّ بِـيَ الـهَجرُ

فَـعُـدتُ إِلــى حُـكمِ الـزَمانِ وَحُـكمِها
لَـها الـذَنبُ لا تُـجزى بِـهِ وَلِـيَ الـعُذرُ

كَــأَنّـي أُنـــادي دونَ مَـيـثـاءَ ظَـبـيَـةً
عَـلـى شَــرَفٍ ظَـمـياءَ جَـلَّلَها الـذُعرُ

تَــجَـفَّـلُ حــيـنـاً ثُـــمَّ تَــرنـو كَـأَنَّـهـا
تُـنـادي طَــلاً بِـالـوادِ أَعـجَـزَهُ الـخُضرُ

فَـــلا تُـنـكِريني يــا اِبـنَـةَ الـعَـمِّ إِنَّــهُ
لِـيَـعرِفُ مَــن أَنـكَـرتِهِ الـبَدوُ وَالـحَضرُ

وَلا تُـنـكِـريـني إِنَّــنـي غَــيـرُ مُـنـكِـرٍ
إِذا زَلَّــتِ الأَقــدامُ وَاِسـتُـنزِلَ الـنَـصرُ

وَإِنّــــــي لَـــجَــرّارٌ لِـــكُــلِّ كَــتـيـبَـةٍ
مُــعَــوَّدَةٍ أَن لا يُــخِــلَّ بِــهـا الـنَـصـرُ

وَإِنّـــــي لَـــنَــزّالٌ بِـــكُــلِّ مَــخـوفَـةٍ
كَـثـيـرٌ إِلـــى نُـزّالِـها الـنَـظَرُ الـشَـزرُ

فَـأَظـمَأُ حَـتّـى تَـرتَوي الـبيضُ وَالـقَنا
وَأَسـغَبُ حَـتّى يَشبَعَ الذِئبُ وَالنَسرُ

وَلا أُصــبِـحُ الــحَـيَّ الـخَـلـوفَ بِـغـارَةٍ
وَلا الـجَيشَ مـا لَـم تَـأتِهِ قَـبلِيَ النُذرُ

وَيـــا رُبَّ دارٍ لَـــم تَـخَـفـني مَـنـيـعَةٍ
طَـلَـعتُ عَـلَـيها بِـالـرَدى أَنــا وَالـفَجرُ

وَحَــيٍّ رَدَدتُ الـخَـيلَ حَـتّـى مَـلَـكتُهُ
هَـزيـمـاً وَرَدَّتــنـي الـبَـراقِـعُ وَالـخُـمرُ

وَسـاحِـبَـةِ الأَذيـــالِ نَـحـوي لَـقـيتُها
فَـلَـم يَـلـقَها جـافـي الـلِقاءِ وَلا وَعـرُ

وَهَـبـتُ لَـهـا مـا حـازَهُ الـجَيشُ كُـلَّهُ
وَرُحــتُ وَلَــم يُـكشَف لِأَبـياتِها سِـترُ

وَلا راحَ يُـطـغـيـني بِـأَثـوابِـهِ الـغِـنـى
وَلا بــاتَ يَـثـنيني عَــنِ الـكَرَمِ الـفَقرُ

وَمــا حـاجَـتي بِـالـمالِ أَبـغي وُفـورَهُ
إِذا لَــم أَفِــر عِـرضـي فَـلا وَفَـرَ الـوَفرُ

أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى
وَلا فَــرَســي مُــهـرٌ وَلا رَبُّـــهُ غَــمـرُ

وَلَـكِـن إِذا حُــمَّ الـقَضاءُ عَـلى اِمـرِئٍ
فَــلَـيـسَ لَــــهُ بَـــرٌّ يَـقـيـهِ وَلا بَــحـرُ

وَقـــالَ أُصَـحـابـي الــفِـرارُ أَوِ الــرَدى
فَـقُـلـتُ هُـمـا أَمــرانِ أَحـلاهُـما مُــرُّ

وَلَـكِـنَّـني أَمــضـي لِـمـا لا يُـعـيبُني
وَحَـسبُكَ مِـن أَمـرَينِ خَيرَهُما الأَسرُ

يَـقولونَ لـي بِـعتَ الـسَلامَةَ بِـالرَدى
فَـقُـلتُ أَمــا وَالـلَـهِ مـا نـالَني خُـسرُ

وَهَـل يَـتَجافى عَـنِّيَ الـمَوتُ سـاعَةً
إِذا مــا تَـجـافى عَـنِّيَ الأَسـرُ وَالـضَرُّ

هُـوَ الـمَوتُ فَـاِختَر مـا عَـلا لَـكَ ذِكرُهُ
فَـلَـم يَـمُتِ الإِنـسانُ مـاحَيِيَ الـذِكرُ

وَلا خَـيـرَ فــي دَفــعِ الــرَدى بِـمَـذَلَّةٍ
كَــمـا رَدَّهـــا يَـومـاً بِـسَـوءَتِهِ عَـمـروُ

يَــمُـنّـونَ أَن خَــلّــوا ثِـيـابـي وَإِنَّــمـا
عَــلَـيَّ ثِــيـابٌ مِـــن دِمـائِـهِمُ حُـمـرُ

وَقـائِـمُ سَـيـفٍ فـيـهِمُ انــدَقَّ نَـصـلُهُ
وَأَعـقـابُ رُمــحٍ فـيـهِمُ حُـطَّمُ الـصَدرُ

سَـيَـذكُرُني قَـومـي إِذا جَـدَّ جِـدُّهُم
وَفــي الـلَـيلَةِ الـظَـلماءِ يُـفتَقَدُ الـبَدرُ

فَـإِن عِـشتُ فَـالطَعنُ الَّـذي يَعرِفونَهُ
وَتِـلكَ الـقَنا وَالـبيضُ وَالـضُمَّرُ الـشُقرُ

وَإِن مُـــتُّ فَـالإِنـسـانُ لابُـــدَّ مَــيِّـتٌ
وَإِن طـالَـتِ الأَيّــامُ وَاِنـفَـسَحَ الـعُـمرُ

وَلَـو سَـدَّ غَيري ما سَدَدتُ اِكتَفوا بِهِ
وَمـا كـانَ يَـغلو الـتِبرُ لَـو نَـفَقَ الـصُفرُ

وَنَــحــنُ أُنـــاسٌ لا تَــوَسُّـطَ عِـنـدَنـا
لَـنـا الـصَـدرُ دونَ الـعـالَمينَ أَوِ الـقَـبرُ

تَـهـونُ عَـلَينا فـي الـمَعالي نُـفوسُنا
وَمَـن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ

أَعَــزُّ بَـني الـدُنيا وَأَعـلى ذَوي الـعُلا
وَأَكــرَمُ مَــن فَــوقَ الـتُـرابِ وَلا فَـخرُ

اقرأ أيضًا: أفضل قصائد أبو فراس الحمداني.

فيديو: قصيدة أراك عصي الدمع – بصوت فهد مشعل

تأثير القصيدة أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أثّرت قصيدة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر" تأثيرًا كبيرًا في سيف الدولة، فأيقظت فيه مشاعر الغيرة والشهامة، وعزّزت إيمانه بقضيّة العرب ضدّ الروم. فما كان منه إلاّ أن جهّز جيشًا عظيمًا لاستعادة حلب من قبضة الروم، فحررها وأخرج أبو فراس الحمداني وباقي الأسرى من سجون الروم.

الخاتمة

تُعدّ قصيدة أراك عصي الدمع نموذجًا فريدًا للشعر العربي، حيث تُجسد مزيجًا من المشاعر المتناقضة، من الشوق والحب إلى الفخر والصبر. تُظهر القصيدة قدرة الشاعر على التعبير عن مشاعره بصدق ووضوح، كما تُؤكد على قيمه النبيلة وشجاعته وكبريائه.

أحدث أقدم