قصيدة الأرملة المرضعة – للشاعر العراقي معروف الرصافي

قصيدة الأرملة المرضعة – للشاعر العراقي معروف الرصافي

معروف الرصافي، شاعر عراقي ولد في بغداد عام 1875م، من أب كردي النسب وأم تركمانية، يعد الرصافي من أشهر شعراء العراق، له العديد من الإصدارات الشعرية والنثرية، التي تميزت بمتانة اللغة ورصانة الأسلوب، وفي هذا المقال وضعنا لكم وأحده من أجمل قصائده والتي كتبها بدموع عينيه، وهي قصيدة الأرملة المرضعة والتي مطلعها «لقيتها ليتني ما كنت ألقاها» وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة، يصف في أبياتها الفقر بعد مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، مات زوجها وتركهما بين البؤس والفقر الذي يذيل القلوب الجامدة.


يقول معروف الرصافي: كنت جالساً في دكان صديقي محمد علي، الكائن في شارع الرشيد في بغداد، وبينما كنت أتحدث معي صديقي محمد، إذا بامرأة محجبة تحمل صحناً بيدها، يوحي منظرها بأنها فقيرة، فطلبت بالإشارة من صديقي محمد أن يعطيها بضعة قروش كثمن للصحن، لكن محمد خرج إليها وتحدث مها همساً، فانصرفت المرأة الفقيرة.

يقول الرصافي: هذا الموقف جعلني ارسم علامات استفهام، تحدث صديقي محمد مع المرأة همساً، وتصرف السيدة الفقيرة، فاستفسرت من صديقي محمد عن المرأة.

فقال لي: إنها أرملة تعيل يتيمين وهم الآن جوعانون، وتريد أن تبيع الصحن مقابل أربعة قروش كي تشتري لأبنائها طعاماً؛ فما كان مني إلا أن ذهبت ورائها وأعطيتها 12 قرشاً، كانت كل ما املك في جيبي، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة حياء وتردد، وارادت ان تعطيني الصحن ولكنني رفضت وغادرتها عائداً إلى دكان صديقي محمد وقلبي يعتصر من الألم.

يقول الرصافي: رجعت إلى منزلي، ولم استطيع النوم ليلتها، وكتبت هذه القصيدة والدموع تنهمر من عيني.

نص قصيدة الأرملة المرضعة

لـقـيـتـهـا لــيـتـنـي مــــا كــنــت ألــقـاهـا
تـمـشي وقــد أثـقـل الإمـلاق مـمشاها

أثـــوابــهــا رثـــــــة والــــرجـــل حـــافــيــة
والــدمــع تــذرفــه فـــي الــخـد عـيـنـاها

بــكـت مـــن الـفـقـر فـاحـمرت مـدامـعها
واصــفـر كــالـورس مـــن جـــوع مـحـياها

مـــات الـــذي كــان يـحـميها ويـسـعدها
فـالـدهـر مـــن بــعـده بـالـفـقر أشـقـاهـا

الـــمـــوت أفــجـعـهـا والــفــقـر أوجــعــهـا
والـــهـــم أنــحــلـهـا والـــغـــم أضــنــاهــا

فـمـنـظـر الــحــزن مــشـهـود بـمـنـظـرها
والـــبـــؤس مــــــراه مـــقـــرون بــمــراهـا

كــــر الـجـديـديـن قــــد أبــلــى عـبـاءتـها
فــانـشـق أسـفـلـهـا وانــشــق أعــلاهـا

ومــــزق الــدهــر ويـــل الــدهـر مـئـزرهـا
حـتـى بــدا مــن شـقوق الـثوب جـنباها

تــمـشـي بـأطـمـارها والــبـرد يـلـسـعها
كــــأنـــه عــــقـــرب شـــالـــت زبــانــاهــا

حــتـى غـــدا جـسـمـها بـالـبرد مـرتـجفا
كـالـغصن فــي الـريـح واصـطكت ثـناياها

تـمـشـي وتـحـمـل بـالـيـسرى ولـيـدتـها
حـمـلا عـلـى الـصـدر مـدعـوما بـيـمناها

قـــــــد قــمــطـتـهـا بـــأهـــدام مــمــزقــة
فــي الـعـين مـنـشرها سـمج ومـطواها

مــا أنــس لا أنــس أنـي كـنت أسـمعها
تــشـكـو إلــــى ربــهــا أوصــــاب دنـيـاهـا

تـــقــول يـــــا رب لا تـــتــرك بـــــلا لــبــن
هــــذي الـرضـيـعـة وارحــمـنـي وإيــاهــا

مـــا تـصـنـع الأم فـــي تـربـيـب طـفـلـتها
إن مـسـهـا الــضـر حــتـى جــف ثـديـاها

يـــا رب مـــا حـيـلـتي فـيـها وقــد ذبـلـت
كــزهـرة الـــروض فـقـد الـغـيث أظـمـاها

مـــا بـالـهـا وهـــي طـــول الـلـيـل بـاكـية
والأم ســــاهــــرة تـــبــكــي لــمــبـكـاهـا

يـــكــاد يــنـقـد قــلـبـي حــيــن أنــظـرهـا
تـبـكي وتـفـتح لــي مــن جـوعـها فـاهـا

ويــلــمــهـا طـــفــلــة بـــاتـــت مـــروعـــة
وبـــت مــن حـولـها فــي الـلـيل أرعـاهـا

تــبـكـي لـتـشـكـو مــــن داء ألــــم بــهــا
ولــسـت أفــهـم مـنـهـا كــنـه شـكـواهـا

قـــد فـاتـهـا الـنـطق كـالـعجماء أرحـمـها
ولـــســت أعـــلــم أي الــسـقـم اذاهــــا

ويــــح ابـنـتـي إن ريـــب الــدهـر روعــهـا
بــالـفـقـر والــيــتـم اهـــــا مـنـهـمـا اهــــا

كـــانـــت مـصـيـبـتـهـا بــالـفـقـر واحـــــدة
ومـــــــوت والــــدهـــا بــالــيــتـم ثــنــاهــا

هــذا الـذي فـي طـريقي كـنت أسـمعه
مـنـهـا فــأثـر فـــي نـفـسـي وأشـجـاهـا

حــتــى دنــــوت إلـيـهـا وهـــي مـاشـيـة
وأدمـعـي أوسـعـت فــي الـخـد مـجراها

وقــلـت: يـــا أخـــت مـهـلا إنـنـي رجــل
أشــــارك الــنــاس طــــرا فـــي بـلايـاهـا

سـمعت يـا أخـت شكوى تهمسين بها
فـــي قــالـة أوجــعـت قـلـبـي بـفـحـواها

هـل تـسمح الأخـت لـي أني أشاطرها
مـــا فــي يــدي الان أسـتـرضي بــه الله

ثــم اجـتـذبت لـهـا مــن جـيب مـلحفتي
دراهـــمــا كـــنــت أســتـبـقـي بـقـايـاهـا

وقــلـت يــا أخــت أرجــو مـنـك تـكـرمتي
بــأخــذهــا دون مــــــا مـــــن تــغـشـاهـا

فــأرســلـت نـــظــرة رعـــشــاء راجـــفــة
تــرمـي الـسـهام وقـلـبي مــن رمـايـاها

وأخـــرجـــت زفـــــرات مـــــن جــوانـحـهـا
كـالـنـار تـصـعـد مـــن أعـمـاق أحـشـاها

وأجــهـشـت ثـــم قــالـت وهـــي بـاكـيـة
واهــــا لـمـثـلـك مــــن ذي رقــــة واهــــا

لو عم في الناس حس مثل حسك لي
مـــا تــاه فــي فـلـوات الـفـقر مــن تـاهـا

أو كـــان فــي الـنـاس إنـصـاف ومـرحـمة
لــــم تــشــك أرمــلــة ضــنـكـا بـدنـيـاهـا

هــــذي حــكـايـة حـــال جــئـت أذكــرهـا
ولـيـس يـخـفى عـلـى الأحــرار فـحـواها

أولــــى الأنـــام بـعـطـف الــنـاس أرمــلـة
وأشــرف الـنـاس مــن بـالـمال واسـاهـا

قصيدة الأرملة المرضعة – بصوت أبو تميم


أحدث أقدم