ما بال عينك منها الماء ينسكب – للشاعر ذو الرمة

ذو الرمة هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي الربابي التميمي، كنيته أبو الحارث وذو الرمة، وهو شاعر عربي من الرباب من تميم، من شعراء العصر الأموي، من فحول الطبقة الثانية في عصره، ولد سنة 77 هجرية الموافق 696 ميلادي، وتوفي بأصفهان سنة 117 هجري الموافق 735 ميلادي.

ما بال عينك منها الماء ينسكب، كأنه من كلى مفرية سرب

وسبب تسميته بـ ذو الرمة هو قوله في الوتد “أشعث باقي رمة التقليد”، والرمة، بضم الراء، تعني الحبل البالي. وفي هذا المقال وضعنا لكم قصيدته التي مطلعها “ما بال عينك منها الماء ينسكب”.

نص قصيدة ما بال عينك منها الماء ينسكب

ما بال عينك منها الماء ينسكب
كأنه من كلى مفرية سرب

وفراء غرفية أثأى خوارزها
مشلشل ضيعته بينها الكتب

أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا
أم راجع القلب من أطرابه طرب

من دمنة نسفت عنها الصبا سفعا
كما تنشر بعد الطية الكتب

سيلا من الدعص أغشته معالمها
نكباء تسحب أعلاه فينسحب

لا بل هو الشوق من دار تخونها
مرا سحاب ومرا بارح ترب

يبدو لعينيك منها وهي مزمنة
نؤي ومستوقد بال ومحتطب

إلى لوائح من أطلال أحوية
كأنها خلل موشية قشب

بجانب الزرق لم تطمس معالمها
دوارج المور والأمطار والحقب

ديار مية إذ مي تساعفنا
ولا يرى مثلها عجم ولا عرب

براقة الجيد واللبات واضحة
كأنها ظبية أفضى بها لبب

بين النهار وبين الليل من عقد
على جوانبه الأسباط والهدب

عجزاء ممكورة خمصانة قلق
عنها الوشاح وتم الجسم والقصب

زين الثياب وإن أثوابها استلبت
على الحشية يوما زانها السلب

تريك سنة وجه غير مقرفة
ملساء ليس بها خال ولا ندب

إذا أخو لذة الدنيا تبطنها
والبيت فوقهما بالليل محتجب

سافت بطيبة العرنين مارنها
بالمسك والعنبر الهندي مختضب

تزداد للعين إبهاجا إذا سفرت
وتحرج العين فيها حين تنتقب

لمياء في شفتيها حوة لعس
وفي اللثات وفي أنيابها شنب

كحلاء في برج صفراء في نعج
كأنها فضة قد مسها ذهب

والقرط في حرة الذفرى معلقة
تباعد الحبل منه فهو يضطرب

تلك الفتاة التي علقتها عرضا
إن الكريم وذا الإسلام يختلب

ليالي اللهو يطبيني فأتبعه
كأنني ضارب في غمرة لعب

لا أحسب الدهر يبلي جدة أبدا
ولا تقسم شعبا واحدا شعب

زار الخيال لمي هاجعا لعبت
به التنائف والمهرية النجب

معرسا في الصبح وقعته
وسائر السير إلا ذاك منجذب

أخا تنائف أغفى عند ساهمة
بأخلق الدف من تصديرها جلب

تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما
أن المريض إلى عواده الوصب

كأنها جمل وهم وما بقيت
إلا النحيزة والألواح والعصب

لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت
بها المفاوز حتى ظهرها حدب

كأن راكبها يهوي بمنخرق
من الجنوب إذا ما ركبها نصبوا

تخدي بمنخرق السربال منصلت
مثل الحسام إذا أصحابه شحبوا

والعيس من عاسج أو واسج خببا
ينحزن من جانبيها وهي تنسلب

تصغي إذا شدها بالكور جانحة
حتى إذا ما استوى في غرزها تثب

وثب المسحج من عانات معقلة
كأنه مستبان الشك أو جنب

يحدو نحائص أشباها محملجة
ورق السرابيل في ألوانها خطب

له عليهن بالخلصاء مربعة
فالفودجان فجنبي واحف صخب

حتى إذا معمعان الصيف هب له
بأجة نش عنها الماء والرطب

وصوح البقل نأاج تجيء به
ريح يمانية في مرها نكب

وأدرك المتبقى من ثميلته
ومن ثمائلها واستنشئ الغرب

تنصبت حوله يوما تراقبه
صحر سماحيج في أحشائها قبب

حتى إذا اصفر قرن الشمس أو كربت
أمسى وقد جد في حوبائه القرب

فراح منصلتا يحدو حلائله
أدنى تقاذفه التقريب والخبب

يعلو الحزون بها طورا ليتعبها
شبه الضرار فما يزري بها التعب

كأنه معول يشكو بلابله
إذا تنكب من أجوازها نكب

كأنه كلما ارفضت حزيقتها
بالصلب من نهشه أكفالها كلب

كأنها إبل ينجو بها نفر
من اخرين أغاروا غارة جلب

والهم عين أثال ما ينازعه
من نفسه لسواها موردا أرب

فغلست وعمود الصبح منصدع
عنها وسائرة بالليل محتجب

عينا مطحلبة الأرجاء طامية
فيها الضفادع والحيتان تصطخب

يستلها جدول كالسيف منصلت
بين الأشاء تسامى حوله العسب

وبالشمائل من جلان مقتنص
رذل الثياب خفي الشخص منزرب

معد زرق هدت قضبا مصدرة
ملس المتون حداها الريش والعقب

كانت إذا ودقت أمثالهن له
فبعضهن عن الألاف مشتعب

حتى إذا الوحش في أهضام موردها
تغيبت رابها من خيفة ريب

فعرضت طلقا أعناقها فرقا
ثم اطباها خرير الماء ينسكب

فأقبل الحقب والأكباد ناشزة
فوق الشراسيف من أحشائها تجب

حتى إذا زلجت عن كل حنجرة
إلى الغليل ولم يقصعنه نغب

رمى فأخطأ والأقدار غالبة
فانصعن والويل هجيراه والحرب

يقعن بالسفح مما قد رأين به
وقعا يكاد حصى المعزاء يلتهب

كأنهن خوافي أجدل قرم
ولى ليسبقه بالأمعز الخرب

أذاك أم نمش بالوشي أكرعه
مسفع الخد غاد ناشط شبب

تقيظ الرمل حتى هز خلفته
تروح البرد ما في عيشه رتب

ربلا وأرطى نفت عنه ذوائبه
كواكب القيظ حتى ماتت الشهب

أمسى بوهبين مجتازا لمرتعه
من ذي الفوارس يدعو أنفه الربب

حتى إذا جعلته بين أظهرها
من عجمة الرمل أثباج لها خبب

ضم الظلام على الوحشي شملته
ورائح من نشاص الدلو منسكب

فبات ضيفا إلى أرطاة مرتكم
من الكثيب لها دفء ومحتجب

ميلاء من معدن الصيران قاصية
أبعارهن على أهدافها كثب

وحائل من سفير الحول جائله
حول الجراثيم في ألوانه شهب

كأنما نفض الأحمال ذاوية
على جوانبه الفرصاد والعنب

كأنه بيت عطار يضمنه
لطائم المسك يحويها وتنتهب

إذا استهلت عليه غبية أرجت
مرابض العين حتى يأرج الخشب

تجلو البوارق عن مجرمز لهق
كأنه متقبي يلمق عزب

والودق يستن عن أعلى طريقته
جول الجمان جرى في سلكه الثقب

يغشى الكناس بروقيه ويهدمه
من هائل الرمل منقاض ومنكثب

إذا أراد انكراسا فيه عن له
دون الأرومة من أطنابها طنب

وقد توجس ركزا مقفر ندس
بنبأة الصوت ما في سمعه كذب

فبات يشئزه ثأد ويسهره
تذاؤب الريح والوسواس والهضب

حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق
هاديه في أخريات الليل منتصب

أغباش ليل تمام كان طارقه
تطخطخ الغيم حتى ما له جوب

غدا كأن به جنا تذاءبه
من كل أقطاره يخشى ويرتقب

حتى إذا ما لها في الجدر واتخذت
شمس النهار شعاعا بينه طبب

ولاح أزهر مشهور بنقبته
كأنه حين يعلو عاقرا لهب

هاجت له جوع زرق مخصرة
شوازب لاحها التغريث والجنب

غضف مهرتة الأشداق ضارية
مثل السراحين في أعناقها العذب

ومطعم الصيد هبال لبغيته
ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب

مقزع أطلس الأطمار ليس له
إلا الضراء وإلا صيدها نشب

فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت
يلحبن لا يأتلي المطلوب والطلب

حتى إذا دومت في الأرض راجعه
كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب

خزاية أدركته بعد جولته
من جانب الحبل مخلوطا به غضب

فكف من غربه والغضف يسمعها
خلف السبيب من الإجهاد تنتحب

حتى إذا أمكنته وهو منحرف
أو كاد يمكنها العرقوب والذنب

بلت به غير طياش ولا رعش
إذ جلن في معرك يخشى به العطب

فكر يمشق طعنا في جواشنها
كأنه الأجر في الإقبال يحتسب

فتارة يخض الأعناق عن عرض
وخضا وتنتظم الأسحار والحجب

ينحي لها حد مدري يجوف به
حالا ويصرد حالا لهذم سلب

حتى إذا كن محجوزا بنافذة
وزاهقا وكلا روقيه مختضب

ولى يهذ انهزاما وسطها زعلا
جذلان قد أفرخت عن روعه الكرب

كأنه كوكب في إثر عفرية
مسوم في سواد الليل منقضب

وهن من واطئ ثنيي حويته
وناشج وعواصي الجوف تنشخب

أذاك أم خاصب بالسي مرتعه
أبو ثلاثين أمسى فهو منقلب

شخت الجزارة مثل البيت سائره
من المسوح خدب شوقب خشب

كأن رجليه مسماكان من عشر
صقبان لم يتقشر عنهما النجب

ألهاه آء وتنوم وعقبته
من لائح المرو والمرعى له عقب

يظل مختضعا يبدو فتنكره
حالا ويسطع أحيانا فينتسب

كأنه حبشي يبتغي أثرا
أو من معاشر في اذانها الخرب

هجنع راح في سوداء مخملة
من القطائف أعلى ثوبه الهدب

أو مقحم أضعف الإبطان حادجه
بالأمس فاستأخر العدلان والقتب

أضله راعيا كلبية صدرا
عن مطلب وطلى الأعناق تضطرب

فأصبح البكر فردا من حلائله
يرتاد أحلية أعجازها شذب

عليه زاد وأهدام وأخفية
قد كاد يستلها عن ظهره الحقب

كل من المنظر الأعلى له شبه
هذا وهذان قد الجسم والنقب

حتى إذا الهيق أمسى شام أفرخه
وهن لا مؤيس نأيا ولا كثب

يرقد في ظل عراص ويطرده
حفيف نافجة عثنونها حصب

تبري له صعلة خرجاء خاضعة
فالخرق دون بنات البيض منتهب

كأنها دلو بئر جد ماتحها
حتى إذا ما راها خانه الكرب

ويلمها روحة والريح معصفة
والغيث مرتجز والليل مقترب

لا يذخران من الإيغال باقية
حتى تكاد تفرى عنهما الأهب

وكل ما هبطا في شأو شوطهما
من الأباطح مفعول به العجب

لا يأمنان سباع الأرض أو بردا
إن أظلما دون أطفال لها لجب

جاءت من البيض زعرا لا لباس لها
إلا الدهاس وأم برة وأب

كأنما فلقت عنها ببلقعة
جماجم يبس أو حنظل خرب

مما تقيض عن عوج معطلة
كأنها شامل أبشارها جرب

أشداقها كصدوع النبع في قلل
مثل الدحاريج لم ينبت بها زغب

كأن أعناقها كراث سائفة
طارت لفائفه أو هيشر سلب

قصيدة ما بال عينك منها الماء ينسكب – بصوت فالح القضاع

أحدث أقدم