أجمل قصائد البحتري

أجمل وأشهر قصائد البحتري

البحتري، هو الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. ولـد عام 205هـ في مدينة منبج بمحافظة حلب سوريا، وتوفى عام 284هـ.

يُقال لشعره سلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشهر أبناء عصرهم، المتنبي، وأبو تمام، والبحتري، وقد قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري.

كان البحتري شاعراً في بلاط الخلفاء؛ المتوكل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز بن المتوكل، كما كانت له صلات وثيقة مع وزراء في الدولة العباسية وغيرهم من الولاة والأمراء وقادة الجيوش.

خلف ديواناً ضخماً، أكثر ما فيه في المديح وأقله في الرثاء والهجاء. وله أيضاً قصائد في الفخر والعتاب والاعتذار والحكمة والوصف والغزل. وقد وضعنا لكم في هذا المقال أجمل وأشهر قصائد البحتري.

أجمل أشعار البحتري

قصيدة: تقضى الصبا إلا تلوم راحل

تقضى الصبا إلا تلوم راحل
وأغنى المشيب عن ملام العواذل

وتأبى صروف الدهر سودا شخوصها
على البيض أن يحظين مني بطائل

يحاولن مني صبوة وأخالني
أخا شغل عما يحاولن شاغل

رمي رزايا صائبات كأنني
لما أشتكي منها رمي جنادل

أعد أجل النائبات فجيعة
وفور الرزايا وانثلام الأماثل

أعن دول في العصبتين تعاقبت
فما نقل الحالات نقل التداول

ولولا اهتمامي بالعلا وانعكاسها
لما ارتعت ذعرا من تعلي الأسافل

أما قائل للشاه والشاه غرة
مخبرة عن ملك غرش وكابل

أطل جفوة الدنيا وتهوين شأنها
فما العاقل المغرور منها بعاقل

يرجي الخلود معشر ضل سعيهم
ودون الذي يرجون غول الغواء

وليس الأماني في البقاء وإن مضت
بها عادة إلا أحاديث باطل

إذا ما حريز القوم بات وما له
من الله واق فهو بادي المقاتل

وما المفلتون أجمل الدهر فيحم
بأكثر من أعداد من في الحبائل

يسار بنا قصد المنون وإننا
لنشعف أحيانا بطي المراحل

عجالا من الدنيا بأسرع سعينا
إلى اجل منها شبيه بعاجل

أواخر من عيش إذا ما امتحنتها
تأملت أمثالا لها في الأوائل

وما عامك الماضي وإن أفرطت به
عجائبه إلا أخو عام قابل

غفلنا عن الأيام أطوع غفلة
وما خونها المخشي عنا بغافل

تغلغل رواد الفناء ونقبت
دواعي المنون عن جواد وباخل

وما فدحتنا نكبة كافتقادنا
أبا الفضل نجل الأكرمين الأفاضل

شببنا له نار الجوى وجرت لنا
عليه أساكب الدموع الهوامل

ولم نعطه حق الغرام ولم نكن
لنبلغ مفؤوض الأسى بالنوافل

ولي هدى سفر إلى المجد سائر
وقائد زحف للخطوب مقاتل

يؤمل للخير الكثير إذا نبت
خلائق أصحاب الخيور القلائل

متى اشتبهوا مرأى على العين أعربت
شمائل من خرق غريب الشمائل

إذا طلعت منه شذاة على العدا
أرت أن بغث الطير صيد الأجادل

ويكفي من الرمح المبر بطوله
بلاغ الحمام من سنان وعامل

زعيم بني ميكال حيث تكاملوا
وكان ابتداء النقص فرط التكامل

أخو إخوة ما كان محمد سعيهم
بوان عن الحسنى ولا بمواكل

بني أحوذي يغمر السيف وافيا
ببسطته والسيف وافي الحمائل

تضيق الدروع التبعيات منهم
على كل رحب الباع سبط الأنامل

عراعر قوم يسكن الثغر إن مشوا
على أرضه والثغر جم الزلازل

فكم فيهم من منعم متطول
بالائه أو مشرف متطاول

إذا سئلوا جاءت سيول أكفهم
نظائر جمات التلاع السوائل

يقولون ما أرضى ولا ترض قائلا
إذا لم يكن في القول أول فاعل

خليقون سروا أن تلين أكفهم
عرائك أحداث الزمان الجلائل

ومازال لحظ الراغبين معلقا
إلى قمر منهم رفيع المنازل

أبا غانم لا تبرحن غنم آمل
تأمل نجحا أو معول عائل

دعوت بك الحاجات أمس فطبقت
مضارب مأثور الغرارين قاصل

ولو تنصف الأقدار كانت مطالبي
إليك وكان الآخرون وسائلي

قصيدة: قد فقدنا الوفاء فقد الحميم

قد فقدنا الوفاء فقد الحميم
وبكينا العلا بكاء الرسوم

لا أمل الزمان ذما وحسبي
شغلا أن ذممت كل ذميم

أتظن الغنى ثواء لذي الهمة
من وقفة بباب لئيم

وأرى عند خجلة الرد مني
خطرا في السؤال جد عظيم

ولوجه البخيل أحسن في بعض
الأحايين من قفا المحروم

وكريم غدا فأعلق كفي
مستميحا في نعمة من كريم

حاز حمدي وللرياح اللواتي
تجلب الغيث مثل حمد الغيوم

عودة بعد بدأة منك كانت
أمس يا أحمد ابن عبد الرحيم

ما تأتيك بالظنين ولا وجهك
في وجه حاجتي بشتيم

قصيدة: بعمرك تدري أي شأني أعجب

بعمرك تدري أي شأني أعجب
فقد أشكلا باديهما والمغيب

جنوني في ليلى وليلى خلية
وصغوي إلى سعدى وسعدى تجنب

إذا لبست كانت جمال لباسها
وتسلب لب المجتلي حين تسلب

وسميتها من خشية الناس زينبا
وكم سترت حبا على الناس زينب

غضارة دنيا شاكلت بفنونها
معاقبة الدنيا التي تتقلب

وجنة خلد عذبتنا بدلها
وما خلت أنا بالجنان نعذب

ألا ربما كأس سقاني سلافها
رهيف التثني واضح الثغر أشنب

إذا أخذت أطرافه من قنوئها
رأيت اللجين بالمدامة يذهب

كأن بعينيه الذي جاء حاملا
بكفيه من ناجودها حين يقطب

لأسرع في عقلي الذي بت موهنا
أرى من قريب لا الذي بت أشرب

لدى روضة جاد الربيع نباتها
بغر الغوادي تستهل وتسكب

إذا أصبح الحوذان في جنباتها
يفتح وهمت الدنانير تضرب

أجدك إن الدهر أصبح صرفه
يجد وإن كنا مع الدهر نلعب

وقد ردت الخمسون رد صريمة
إلى الشيب من ولى عن الشيب يهرب

فقصرك إني حائم فمرفرف
على خلقي أو ذاهب حيث أذهب

نظرت ورأس العين مني مشرق
صوامعها والعاصمية مغرب

بقنطرة الخابور هل أهل منبج
بمنبج أم بادون عنها فغيب

ومابرح الأعداء حتى بدهتهم
بظلماء زحف بيضها تتلهب

إذا انبسطت في الأرض زادت فضولها
على العين حتى العين حسرى تذبذب

وإن ابن بسطام كفاني انفراده
مكاثرة الأعداء لما تألبوا

أخي عند جد الحادثات وإنما
أخوك الذي يأتي الرضا حين تغضب

يؤمل في لين اللبوس ويرتجى
لطول ويخشى في السلاح ويرهب

وما عاقه أن يطعن الخيل مقدما
على الهول فيها أنه بات يكتب

ترد السيوف الماضيات قضاءها
إلى قلم يومي لها أين تضرب

مدبر جيش ذلل الأرض شغبه
وعزمته من ذلك الجيش أشغب

إذا الخطب أعيا أين مأخذه اهتدى
لما يتوخى منه أو يتنكب

نعول والإجداء فيه تباعد
على سيد يدنو جداه ويقرب

على ملك لا يحجب البخل وجهه
علينا ومن شأن البخيل التحجب

وأبيض يعلو حين يرتاح للندى
على وجهه لون من البشر مشرب

تفرغ أخلاق الرجال وعنده
شواغل من مجد تعني وتنصب

له هزة من أريحية جوده
تكاد لها الأرض الجديبة تعشب

تحط رحال الراغبين إلى فتى
نوافله نهب لمن يتطلب

إلى غمر في ماله تستخفه
صغار الحقوق وهو عود مجرب

إذا نحن قلنا وقرته ملمة
تهالك منقاد القرينة مصحب

تجاوز غايات العقول مواهب
نكاد لها لولا العيان نكذب

جدى إن أغرنا فيه كان غنيمة
ويضعف فيه الغنم حين يعقب

خلائق لو يلقى زياد مثالها
إذن لم يقل أي الرجال المهذب

عجبت له لم يزه عجبا بنفسه
ونحن به نختال زهوا ونعجب

فداك أبا العباس من نوب الردى
أناس يخيب الظن فيهم ويكذب

طويت إليك المنعمين ولم أزل
إليك أعدي عنهم وأنكب

وما عدلت عنك القصائد معدلا
ولا تركت فضلا لغيرك يحسب

ننظم منها لؤلؤا في سلوكه
ومن عجب تنظيم ما لا يثقب

فلو شاركت في مكرماتك طي
لوهم قوم أنني أتعصب

متى يسأل المغرور بي عن صريمتي
يخبره عنها غانم أو مخيب

يسر افتتاني معشرا ويسوؤهم
ويخلد ما أفتن فيهم وأسهب

ولم يبق كر الدهر غير علائق
من القول ترضي سامعين وتغضب

قصيدة: أبى الليل إلا أن يعود بطوله

أبى الليل إلا أن يعود بطوله
على عاشق نزر المنام قليله

إذا ما نهاه العاذلون تتابعت
له أدمع لا ترعوي لعذوله

لعل اقتراب الدار يثني دموعه
فيقلع أو يشفي جوى من غليله

ومازال توخيد المهاري وطيها
بنا البعد من حزن الفلا وسهوله

إلى أن بدا صحن العراق وكشفت
سجوف الدجى عن مائه ونخيله

يظل الحمام الورق في جنباته
يذكرنا أحبابنا بهديله

فأحيت محبا رؤية من حبيبه
وسرت خليلا أوبة من خليله

بنعمى أمير المؤمنين وفضله
غدا العيش غضا بعد طول ذبوله

إمام رآه الله أولى عباده
بحق وأهداهم لقصد سبيله

خليفته في أرضه ووليه
الرضي لديه وابن عم رسوله

وبحر يمد الراغبون عيونهم
إلى ظاهر المعروف فيهم جزيله

ترى الأرض تسقى غيثها بمروره
عليها وتكسى نبتها بنزوله

أتى من بلاد الغرب في عدد النقا
نقا الرمل من فرسانه وخيوله

فأسفر وجه الشرق حتى كأنما
تبلج فيه البدر بعد أفوله

وقد لبست بغداد أحسن زيها
لإقباله واستشرفت لعدوله

ويثنيه عنها شوقه ونزاعه
إلى عرض صحن الجعفري وطوله

إلى منزل فيه أحباؤه الألي
لقاؤهم أقصى مناه وسوله

محل يطيب العيش رقة ليله
وبرد ضحاه واعتدال أصيله

لعمري لقد آب الخليفة جعفر
وفي كل نفس حاجة من قفوله

دعاه الهوى من سر من راء فانكفا
إليها انكفاء الليث تلقاء غيله

على أنها قد كان بدل طيبها
ورحل عنها أنسها برحيله

وإفراطها في القبح عند خروجه
كإفراطها في الحسن عند دخوله

ليهن ابنه خير البنين محمدا
قدوم أب عالي المحل جليله

غدا وهو فرد في الفضائل كلها
فهل مخبر عن مثله أوعديله

وإن ولاة العهد في الحلم والتقى
وفي الفضل من أمثاله وشكوله

قصيدة: زعم الغراب منبئ الأنباء

زعم الغراب منبئ الأنباء
أن الأحبة آذنوا بتناء

فاثلج ببرد الدمع صدرا واغرا
وجوانحا مسجورة الرمضاء

لا تأمرني بالعزاء وقد ترى
أثر الخليط ولات حين عزاء

قصر الفراق عن السلو عزيمتي
وأطال في تلك الرسوم بكائي

زدني اشتياقا بالمدام وغنني
أعزز علي بفرقة القرناء

فلعلني ألقى الردى فيريحني
عما قليل من جوى البرحاء

أخذت ظهور الصالحية زينة
عجبا من الصفراء والحمراء

نسج الربيع لربعها ديباجة
من جوهر الأنوار بالأنواء

بكت السماء بها رذاذ دموعها
فغدت تبسم عن نجوم سماء

في حلة خضراء نمنم وشيها
حوك الربيع وحلة صفراء

فاشرب على زهر الرياض يشوبه
زهر الخدود وزهرة الصهباء

من قهوة تنسي الهموم وتبعث
الشوق الذي قد ضل في الأحشاء

يخفي الزجاجة لونها فكأنها
في الكف قائمة بغير إناء

ولها نسيم كالرياض تنفست
في أوجه الأرواح والأنداء

وفواقع مثل الدموع ترددت
في صحن خد الكاعب الحسناء

يسقيكها رشأ يكاد يردها
سكرى بفترة مقلة حوراء

يسعى بها وبمثلها من طرفه
عودا وإبداء على الندماء

ما للجزيرة والشام تبدلا
بك يا ابن يوسف ظلمة بضياء

نضب الفرات وكان بحرا زاخرا
واسود وجه الرقة البيضاء

ولقد ترى بأبي سعيد مرة
ملقى الرحال وموسم الشعراء

إذ قيظها مثل الربيع وليلها
مثل النهار يخال رأد ضحاء

رحل الأمير محمد فترحلت
عنها غضارة هذه النعماء

والدهر ذو دول تنقل في الورى
أيامهن تنقل الأفياء

إن الأمير محمدا لمهذب
الأفعال في السراء والضراء

ملك إذا غشي السيوف بوجهه
غشي الحمام بأنفس الأعداء

قسمت يداه ببأسه وسماحه
في الناس قسمي شدة ورخاء

ملئت قلوب العالمين بفعله
المحمود من خوف له ورجاء

أغنى جماعة طيئ عما ابتنت
آباؤها القدماء للأبناء

فإذا هم افتخروا به لم يبجحوا
بقديم ما ورثوا من العلياء

صعدوا جبالا من علاك كأنها
هضبات قدس ويذبل وحراء

واستمطروا في المحل منك خلائقا
أصفى وأعذب من زلال الماء

وضمنت ثأر محمد لهم على
كلب العدى وتخاذل الأحياء

ما انفك سيفك غاديا أو رائحا
في حصد هامات وسفك دماء

حتى كفيتهم الذي استكفوك من
أمر العدى ووفيت أي وفاء

مازلت تقرع باب بابك بالقنا
وتزوره في غارة شعواء

حتى أخذت بنصل سيفك عنوة
منه الذي أعيا على الخلفاء

أخليت منه البذ وهي قراره
ونصبته علما بسامراء

لم يبق منه خوف بأسك مطعما
للطير في عود ولا إبداء

فتراه مطردا على أعواده
مثل اطراد كواكب الجوزاء

مستشرفا للشمس منتصبا لها
في أخريات الجذع كالحرباء

ووصلت أرض الروم وصل كثير
أطلال عزة في لوى تيماء

في كل يوم قد نتجت منية
لحماتها من حربك العشراء

سهلت منها وعر كل حزونة
وملأت منها عرض كل فضاء

بالخيل تحمل كل أشعث دارع
وتواصل الإدلاج بالإسراء

وعصائب يتهافتون إذا ارتمى
بهم الوغى في غمرة الهيجاء

مثل اليراع بدت له نار وقد
لفته ظلمة ليلة ليلاء

يمشون في زغف كأن متونها
في كل معركة متون نهاء

بيض تسيل على الكماة فضولها
سيل السراب بقفرة بيداء

فإذا الأسنة خالطتها خلتها
فيها خيال كواكب في ماء

أبناء موت يطرحون نفوسهم
تحت المنايا كل يوم لقاء

في عارض يدق الردى ألهبته
بصواعق العزمات والاراء

أشلى على منويل أطراف القنا
فنجا عتيق عتيقة جرداء

ولو انه أبطا لهن هنيهة
لصدرن عنه وهن غير ظماء

فلئن تبقاه القضاء لوقته
فلقد عممت جنوده بفناء

أثكلته أشياعه وتركته
للموت مرتقبا صباح مساء

حتى لو ارتشف الحديد أذابه
بالوقد من أنفاسه الصعداء

قصيدة: أتراه يظنني أو يراني

أتراه يظنني أو يراني
ناسيا عهده الذي إسترعاني

لا ومن مد غايتي في هواه
وبلاني منه بما قد بلاني

سكن يسكن الفؤاد على ما
فيه من طاعة ومن عصيان

شد ما كثر الوشاة ولام
الناس في حب ذلك الإنسان

أيها الآمري بترك التصابي
رُمت مني ما ليس في إمكاني

خل عني فما إليك رشادي
من ضلالي ولا عليك ضماني

ونديم نبهته ودجى الليل
وضوء الصباح يعتلجان

قم نبادر بها الصيام فقد أقمر
ذاك الهلال من شعبان

بنت كرم يدنو بها مرهف القد
غرير الصبا خضيب البنان

أرجوانية تشبه في الكأس
بتفاح خده الأرجواني

بات أحلى لدي من سنة النوم
وأشهى من مفرحات الأماني

للإمام المعتز بالله إعزاز
من الله قاهر السلطان

ملك يدرأ الإساءة بالعفو
ويجزي الإحسان بالإحسان

سل به تخبر العجيب وإن كان
السماع المأثور دون العيان

وتأمله ملء عينيك فانظر
أي راض في الله أو غضبان

بسطة ترهق النجوم وملك
عظمت فيه مأثرات الزمان

أذعن الناكثون إذ ألقت الحرب
عليهم بكلكل وجران

ففتوح يقصصن في كل يوم
شأن قاص من الأعادي ودان

كل ركاضة من البرد يغدو
الريش أولى بها من العنوان

قد أتانا البشير عن خبر الخابور
بالصدق ظاهرا والبيان

عن زحوف من الأعادي ويوم
من أبي الساج فيهم أرونان

حشدت مربعاء فيه مرد
وقصور البليخ والمازجان

وتوافت حلائب السلط والمرجين 
من دابق ومن بطنان

تثنى الرماح والحرب مشبوب
لظاها تثنى الخيزران

كلما مال جانب من خميس
عدلته شواجر الخرصان

فلجت حجة الموالي ضرابا
وطعانا لما إلتقى الخصمان

فقتيل تحت السنابك يدمى
وأسير يراقب القتل عان

لم تكن صفقة الخيار عشيا
لابن عمرو فيها ولا صفوان

جلبتهم إلى مصارع بغي
عثرات الشقاء والخذلان

أسفا للحلوم كيف إستخفت
بغلو الإسراف والطغيان

كيف لم يقبلوا الأمان وقد
كانت حياة لمثلهم في الأمان

يا إمام الهدى نصرت ولا زلت
معانا باليمن والإيمان

عز دين الإله في الشرق والغرب
ببيض الأيام منك الحسان

واضمحل الشقاق في الأرض مذ
طاع لك المشرقان والمغربان

لم تزل تكلأ البلاد بقلب
ألمعي وناظر يقظان

إنما يحفظ الأمور ويتويهن
بحزم مواشك أو توان

ما تولى قلبي سواكم ولا
مال إلى غيركم بمدح لساني

شأني الشكر والمحبة مذ كنت
وحق عليك تعظيم شأني

ضعة بي إن لم أنل بمكاني
منك عزا مستأنفا في مكاني

قصيدة: يجانبنا في الحب من لا نجانبه

يجانبنا في الحب من لا نجانبه
ويبعد منا في الهوى من نقاربه

ولا بد من واش يتاح على النوى
وقد تجلب الشيء البعيد جوالبه

أفي كل يوم كاشح متكلف
يصب علينا أو رقيب نراقبه

عنا المستهام شجوه وتطاربه
وغالبه من حب علوة غالبه

وأصبح لا وصل الحبيب ميسر
لديه ولا دار الحبيب تصاقبه

مقيم بأرض قد أبن معرجا
عليها وفي أرض سواها ماربه

سقى السفح من بطياس فالجيرة التي
تلي السفح وسمي دراك سحائبه

فكم ليلة قد بتها ثم ناعما
بعيني عليل الطرف بيض ترائبه

متى يبد يرجع للمفيق خباله
ويرتجع الوجد المبرح واهبه

ولم أنسه إذ قام ثاني جيده
إلي وإذ مالت علي ذوائبه

عناق يهد الصبر وشك انقضائه
ويذكي الجوى أو يسكب الدمع ساكبه

ألا هل أتاها أن مظلمة الدجى
تجلت وأن العيش سهل جانبه

وأنا رددنا المستعار مذمما
على أهله واستأنف الحق صاحبه

عجبت لهذا الدهر أعيت صروفه
وما الدهر إلا صرفه وعجائبه

متى أمل الدياك أن تصطفى له
عرى التاج أو تثنى عليه عصائبه

فكيف ادعى حق الخلافة غاصب
حوى دونه إرث النبي أقاربه

بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه
على الناس ثور قد تدلت غباغبه

ثقيل على جنب الثريد مراقب
لشخص الخوان يبتدي فيواثبه

إذا ما احتشى من حاضر الزاد لم يبل
أضاء شهاب الملك أم كل ثاقبه

إذا بكر الفراش ينثو حديثه
تضاءل مطريه وأطنب عائبه

تخطى إلى الأمر الذي ليس أهله
فطورا ينازيه وطورا يشاغبه

فكيف رأيت الحق قر قراره
وكيف رأيت الظلم آلت عواقبه

ولم يكن المغتر بالله إذ سرى
ليعجز والمعتز بالله طالبه

رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر
وعري من برد النبي مناكبه

وقد سرني أن قيل وجه مسرعا
إلى الشرق تحدى سفنه وركائبه

إلى كسكر خلف الدجاج ولم تكن
لتنشب إلا في الدجاج مخالبه

له شبه من تاجويه مبين
ينازعه أخلاقه ويجاذبه

وما لحية القصار حين تنفشت
بجالبة خيرا على من يناسبه

يجوز ابن خلاد على الشعر عنده
ويضحي شجاع وهو للجهل كاتبه

فأقسمت بالبيت الحرام ومن حوت
أباطحه من محرم وأخاشبه

لقد حمل المعتز أمة أحمد
على سنن يسري إلى الحق لأحبه

تدارك دين الله من بعد ما عفت
معالمه فينا وغارت كواكبه

وضم شعاع الملك حتى تجمعت
مشارقه موفورة ومغاربه

إمام هدا يرجى ويرهب عدله
ويصدق راجيه الظنون وراهبه

مدبر دنيا أمسكت يقظاته
بآفاقها القصوى وما طر شاربه

فكيف وقد ثابت إليه أناته
وراضت صعاب الحادثات تجاربه

وأبيض من آل النبي إذا احتبى
لساعة عفو فالنفوس مواهبه

تغمد بالصفح الذنوب وأسجحت
سجاياه في أعدائه وضرائبه

نضا السيف حتى انقاد من كان آبيا
فلما استقر الحق شيمت مضاربه

ومازال مصبوبا على من يطيعه
بفضل ومنصورا على من يحاربه

إذا حصلت عليا قريش تناصرت
مآثره في فخرهم ومناقبه

له منصب فيهم مكين مكانه
وحق عليهم ليس يدفع واجبه

بك اشتد عظم الملك فيهم فأصبحت
تقر رواسيه وتعلو مراتبه

وقد علموا أن الخلافة لم تكن
لتصحب إلا مذهبا أنت ذاهبه

قصيدة: بين أفق الصبا وأفق الدبور

بين أفق الصبا وأفق الدبور
حسد أو تنافس في الوزير

كلما يسر الركاب لأرض
أوثرت دون غيرها بالحبور

هبرزي ينافس الشرق والغرب
سنا ضوء وجهه المستنير

وندى كفه التي نسب الجود
إليها تعاقب ابني سمير

يا أبا الصقر لا يرم ظل نعمائك
يضفو وزند عودك يوري

لم تزل معوز الشبيه وفي الناس
بقايا فضل قليل النظير

أنت غيث الغيوث يحيا به القوم
إذا أمحلوا وبحر البحور

لا تضامن حاجتي وأبو طلحة من
صورك الشريف نصيري

قد تبرعت لي بمالك فاشفعه
بمالي الموقوف عند بشير

جملة أو صبابة يرتضيها
سائر أهبة لهذا المسير

وقليل النوال ينفع إن لم
ترني اليوم موضعا للكثير

قصيدة: شوق إليك تفيض منه الأدمع

شوق إليك تفيض منه الأدمع
وجوى عليك تضيق منه الأضلع

وهوى تجدده الليالي كلما
قدمت وترجعه السنون فيرجع

إني وما قصد الحجيج ودونهم
خرق تخب به الركاب وتوضع

أصفيك أقصى الود غير مقلل
إن كان أقصى الود عندك ينفع

وأراك أحسن من أراه وإن بدا
منك الصدود وبان وصلك أجمع

يعتادني طربي إليك فيغتلي
وجدي ويدعوني هواك فأتبع

كلف بحبك مولع ويسرني
أني امرؤ كلف بحبك مولع

شرفا بني العباس إن أباكم
عم النبي وعيصه المتفزع

إن الفضيلة للذي استسقى به
عمر وشفع إذ غدا يستشفع

وأرى الخلافة وهي أعظم رتبة
حقا لكم ووراثة ما تنزع

أعطاكموها الله عن علم بكم
والله يعطي من يشاء ويمنع

من ذا يساجلكم وحوض محمد
بسقاية العباس فيكم يشفع

ملك رضاه رضا المليك وسخطه
حتف العدى ورداهم المتوقع

متكرم متورع عن كل ما
يتجنب المتكرم المتورع

يا أيها الملك الذي سقت الورى
من راحتيه غمامة ما تقلع

يهنيك في المتوكلية أنها
حسن المصيف بها وطاب المربع

فيحاء مشرقة يرق نسيمها
ميث تدرجه الرياح وأجزع

وفسيحة الأكناف ضاعف حسنها
بر لها مفضى وبحر مترع

قد سر فيها الأولياء إذ التقوا
بفناء منبرها الجديد فجمعوا

فارفع بدار الضرب باقي ذكرها
إن الرفيع محلة من ترفع

هل يجلبن إلي عطفك موقف
ثبت لديك أقول فيه وتسمع

مازال لي من حسن رأيك موئل
آوي إليه من الخطوب ومفزع

فعلام أنكرت الصديق وأقبلت
نحوي ركاب الكاشحين تطلع

وأقام يطمع في تهضم جانبي
من لم يكن من قبل فيه يطمع

إلا يكن ذنب فعدلك واسع
أو كان لي ذنب فعفوك أوسع
أحدث أقدم