خطبة حجة الوداع

خطبة الوداع ألقاه النبي في يوم عرفة وقد سُميت بحجة الوداع لأنه لم يحج بعدها

خطبة الوداع (10 هجرية) ألقاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وسُمِّيت بحجة الوداع؛ لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها، فكأنه ودعهم بهذه النصائح الجليلة، حيث لم يَمكث صلى الله عليه وسلم بعدها سوى ثلاثة أشهر في أشهر الأقوال حتى توفَّاه الله.

نص خطبة حجة الوداع:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.

أيها الناس:
اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.

أيها الناس:
إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية، والعمد قود (يعني: القتل العمد قصاص) وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد، فهو من أهل الجاهلية، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

أيها الناس:
إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.

أيها الناس:
إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله.

وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات، وواحد فرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى، وشعبان. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

أيها الناس:
إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حق؛ لكم ألا يُوطئن فرشكم غيركم، ولا يُدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

أيها الناس:
إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده؛ كتاب الله. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

أيها الناس:
إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

أيها الناس:
إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من الثُلث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.

هذه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أقام بها الحُجَّة على العالمين، فقد سألهم صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء منها قائلاً: (وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟)، قالوا: نشهد أنك قد بلغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ، فقال بإصبعه السبَّابة يَرفعها إلى السماء، ويَنكُتُها إلى الناس؛ ”اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد“.
أحدث أقدم