في الشيب زجر له لو كان ينزجر – البحتري

قصيدة في الشيب زجر له لو كان ينزجر وواعظ منه لولا أنه حجر

قصيدة: في الشيب زجر له لو كان ينزجر

  • للشاعر: البحتري

فــي الـشّيبِ زجـرٌ لـهُ لـوْ كـان يـنزجِرُ
وَواعـــــظ مــنــهُ لــــوْلا أنّــــهُ حــجــرُ

إبـيَضّ مـا اسـوَدّ مـن فـوْديهِ وارتـجعت
جـلـيّةُ الـصّـبحِ مــا قــد أغـفل الـسّحرُ

ولـلـفتى مُـهـلةٌ فــي الـحـبّ واسـعـةٌ
مـا لـم يـمُت في نواحي رأسهِ الشّعرُ

قـالـت مـشـيبٌ وعِـشـقٌ أنـت بـيْنهُما
وَذاك فـــي ذاك ذنـــبٌ لــيـس يُـغـتـفرُ

وعـيّـرتـني سِــجـال الــعُـدمِ جـاهِـلـةً
والـنّـبـعُ عُـريـانُ مــا فــي فـرعِـهِ ثـمـرُ

ومــــا الـفـقـيـرُ الـــذي عــيّـرتِ آوِنـــةً
بـــلِ الــزّمـانُ إلـــى الأحـــرارِ مُـفـتـقِرُ

عـــزّى عــنِ الـحـظّ أنّ الـعـجز يُـدرِكُـهُ
وَهـوّن الـعُسر عِـلمي فـي مـنِ اليُسُرُ

لــم يـبق مِـن جُـلّ هـذا الـنّاسِ بـاقيةٌ
يَــنـالُـهـا الـــوَهــم إلاّ هــــذهِ الــصّــوَرُ

بُـخـل وجـهـلٌ وحـسـبُ الـمـرءِ واحـدةٌ
مِــن تـيـنِ حـتـى يُـعـفّى خـلـفهُ الأثـرُ

إذا مــحـاسِـنـيَ الـــلاّتــي أُدِلُّ بِـــهــا
كـانـت ذُنـوبـي فـقُل لـي كـيف أعـتذرُ

أهُــــزُّ بـالـشـعرِ أقــوامـاً ذوي وســـنٍ
في الجهلِ لوْ ضُرِبوا بالسّيفِ ما شعروا

عـلـيّ نـحـتُ الـقـوافي مِـن مـقاطِعِها
وَمـــا عــلـيّ لــهُـم أن تـفـهـم الـبـقـرُ

لأرحــــلــــنّ وآمِــــالـــي مُـــطــرّحــةٌ
بِــسُـرّ مـــن راءُ مُـسـتبطاً لـهـا الـقـدرُ

أبـعـد عـشـرين شـهـراً لا جــداً فـيُرى
بـــــهِ انـــصِــرافٌ ولا وعــــدٌ فـيُـنـتـظرُ

لـــوْلا عــلـيّ بـــنُ مُـــرٍّ لاسـتـمرّ بِـنـا
خـلفٌ مـن الـعيشِ فـيهِ الـصّابُ والصّبِرُ

عُــذنــا بـــأروَع أقــصـى نـيـلِـهِ كــثـبٌ
عــلـى الـعُـفاةِ وأدنــى سـعـيِهِ سـفـرُ

ألــــحّ جـــوداً ولـــم تــضـرُر سـحـائـبُهُ
وَرُبّــمــا ضـــرّ فـــي إلـحـاحِـهِ الـمـطـرُ

لا يُــتـعِـبُ الـنّـائِـلُ الـمـبـذولُ هِـمّـتـهُ
وَكــيـف يُـتـعِـبُ عــيـن الـنّـاظرِ الـنّـظرُ

بـدت عـلى الـبدوِ نُـعمى مـنهُ سـابِغةٌ
وَفـــراءُ يُـحـضِـرُ أُخــرى مـثـلها الـحـضرُ

مـواهـبٌ مــا تـجـشّمنا الـسّـؤال لـهـا
إنّ الــغـمـام قــلـيـبٌ لــيــس يُـحـتـفرُ

يُــهـابُ فـيـنا ومــا فــي لـحـظِهِ شــررٌ
وَســـط الــنّـديّ ولا فــي خــدّهِ صـعـرُ

بــردُ الـحـشا وهـجـيرُ الــرّوْعِ مـحـتفِلٌ
وَمِـسـعـرٌ وشِــهـابُ الــحـربِ مُـسـتعِرُ

إذا ارتـقـى فــي أعـالي الـرّأيِ لاح لـهُ
مـا فـي الـغيوبِ الـتي تـخفى فتستتِرُ

تــوَسّــط الــدّهـر أحـــوالاً فـــلا صِــغـرٌ
عـــنِ الـخُـطـوبِ الـتـي تـعـرو ولا كِـبـرُ

كــالـرّمـحِ أذرُعُــــهُ عــشــرٌ وواحِــــدةٌ
فـلـيـس يُـــزري بـــه طـــولٌ ولا قِـصـرُ

مُــجـرّبٌ طـالـما مــا أشـجـت عـزائِـمُهُ
ذوي الـحِـجى وهــوَ غِــرٌّ بـيْـنهُم غـمرُ

آراؤهُ الــــيَـــوْم أســـيـــافٌ مُــهــنّــدةٌ
وكـــــــان كــالــسّـيـفِ إذ آراؤه زبُــــــرُ

ومـصـعد فــي هـضـاب الـمجد يـطلعها
كــأنــه لــسـكـون الــجــأش مــنـحـدر

مــا زال يـسـبُقُ حـتّـى قــال حـاسدة
لـــهُ الـطّـريـقُ إلـــى الـعـلياءِ مُـخـتصرُ

حـلـو صـميت مـتى تـجن الـرضا خـلقاً
مِـــنـــهُ ومُـــــرٌّ إذا أحــفـظـتـهُ مـــقِــرُ

نـهـيْـتُ حُــسّـادهُ عــنـهُ وقـلـتُ لـهـم
ألــسّـيـلُ بـالـلّـيلِ لا يُـبـقـي ولا يـــذرُ

كُــفّـوا وإلاّ كُـفِـفـتم مُـضـمـري أســفٍ
إذا تــنــمّـر فـــــي إقـــدامِــهِ الــنّــمِـرُ

ألــــوَى إذا شــابـك الأعـــداء كــدّهُـمُ
حــتـى يـــروح وفـــي أظـفـارِهِ الـظّـفرُ

والـلـوم أن تـدخـلوا فـي حـد سـخطته
عـلـماً بــأن ســوف يـعفو حـين يـقتدر

جـافـى الـمضاجع مـا يـنفكُّ مِـن لـجبٍ
يَــكــادُ يُــقـمِـرُ مِــــن لألائـــهِ الـقـمـرُ

إذا خُــطـامـةُ ســــارت فــيــهِ آخِــــذةً
خُـطام نـبهان وهـيَ الـشّوْكُ والـشّجرُ

رأيْـــت مــجـداً عـيـانـاً فــي بـنـي أُددٍ
إذ مــجـدُ كـــلّ قـبـيـلٍ دونــهـم خــبـرُ

أحـسِـن أبـا حـسنٍ بـالشّعرِ إذ جُـعلت
عــلــيـك أنــجُــمُـهُ بــالــمـدحِ تـنـتـثـرُ

فـيـهـا الـعـقائِقُ والـعِـقيانُ إن لُـبـست
يــوْم الـتّـباهي وفـيها الـوَشيُ والـحِبرُ

ومــن يـكُن فـاخراً بـالشّعرِ يُـمدحُ فـي
أضــعــافِـهِ فــبِــك الأشــعــارُ تُـفـتـخـرُ


أحدث أقدم